فصل: بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلاَءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بَابٌ فِي فَوْتِ الْحَجِّ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ هَلْ يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ يَحُجُّ عَمَّنْ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْمَرْكَبِ وَالْمَيِّتِ قُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ‏؟‏ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏}‏ وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ الْحَلْبَ فَيَحْلُبُ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِيهِ إلَّا حَجَّ وَحَجَّ بِهِ مَعَهُ فَبَلَغَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِي قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ كَبُرَ الشَّيْخُ فَجَاءَ ابْنُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ أَبِي قَدْ كَبُرَ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ نَعَمْ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَذَكَرَ مَالِكٌ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ نُرَكِّبَهَا عَلَى الْبَعِيرِ وَإِنْ رَبَطْتُهَا خِفْت أَنْ تَمُوتَ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ‏:‏ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَتِكُمْ وَمِنْ رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَرْوِي هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بِالْمَدِينَةِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ وَهَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ يَكُونُ مِثْلُهُ عِنْدَكُمْ عَمَلاً فَتُخَالِفُونَهُ كُلَّهُ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَلِمْتُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعُ مَنْ عَدَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَشْرِقِ وَالْيَمَنِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّ مِنْ حُجَّةِ بَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَجَعَلَ الْحَجَّ فِي مَعْنَى الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ الضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ‏:‏ أَرَأَيْتُمْ لَوْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَحَدٍ كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَلِرَأْيِ مِثْلِكُمْ وَلِرَأْيِ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَتَجْعَلُونَهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ إذَا شِئْتُمْ لِأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةً لَمْ تُخَالِفُوهُ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ تُقِيمُونَ قَوْلَهُ مَقَامًا تَرُدُّونَ بِهِ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ ثُمَّ تَدَعُونَ فِي قَوْلِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْحَجِّ قِيَاسًا وَمَا لِلْحَجِّ وَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ‏؟‏ هَذَا شَرِيعَةٌ وَهَذَا شَرِيعَةٌ فَإِنْ قُلْتُمْ قَدْ يَشْتَبِهَانِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَجَّ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ‏:‏ ‏{‏أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا‏}‏ فَأَنَا آمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَنْ الرَّجُلِ وَيَصُومَ عَنْهُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لاَ تُقَاسُ شَرِيعَةٌ عَلَى شَرِيعَةٍ‏؟‏ فَكَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ أَوَرَأَيْتُمْ مَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُ السُّنَّةُ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ تَقَارُبًا مِنْهَا فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُ‏؟‏ فَإِنْ قُلْتُمْ مَا هُوَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ‏,‏ وَنَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَأَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا‏}‏ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُزَابَنَةِ وَدَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَوْ لَمْ يُجِزْهَا‏,‏ فَلَمَّا أَجَازَهَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِالسُّنَّةِ وَقُلْنَا‏:‏ تَجُوزُ الْعَرَايَا وَهِيَ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَكِيلٌ بِجُزَافٍ‏؟‏ وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا وَضَعَ بِالْأَرْضِ فَكَانَ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ فِي الْأَرْضِ مَعًا فَهَذَا أَوْلَى أَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ حَلاَلٌ بِمَا أَحَلَّهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ هَذَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فَرَأَيْنَا لَنَا عَلَيْهِمْ بِهَذَا حُجَّةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِنَصِّهِ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ خِلاَفَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَكَيْفَ تَقِيسُونَهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ أَفَرَأَيْتُمْ إذَا كُنْتُمْ تُجِيزُونَ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إذْ أَوْصَى بِذَلِكَ فَخَالَفْتُمْ مَا قُلْتُمْ مِنْ أَنْ لاَ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَأَجَزْتُمْ مِثْلَ مَا رَدَدْتُمْ فِيهِ السُّنَّةَ أَفَيَجُوزُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلَّى عَنْهُ أَوْ يُصَامَ عَنْهُ‏؟‏ فَإِنْ أَجَزْتُمُوهُ فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِيمَا كَرِهْتُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَمَلٌ آخَرُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تُجِيزُوهُ فَقَدْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَ‏:‏ يَحْتَجِمُ وَلاَ يَحْلِقُ شَعْرًا وَيَحْتَجِمُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَوْمَئِذٍ بِلَحْيِ جَمَلٍ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏}‏‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ لاَ يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَقَالَ‏:‏ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حِجَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَلاَ غَيْرُهُ ضَرُورَةً أَوْلَى بِنَا مِنْ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْ لاَ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَمِعَهُ مَا خَالَفَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ بِرَأْيِهِ فَكَيْفَ إذَا سَمِعْت هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قُلْت بِخِلاَفِ مَا سَمِعْت عَنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنْتُمْ لَمْ تُثْبِتُوا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهُ لِلنَّاسِ قَدْ يَتَوَقَّى الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ مَا لاَ يَكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ كَرِهْتُمْ الْحِجَامَةَ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ أَتَعْدُو الْحِجَامَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً لَهُ كَمَا يُبَاحُ لَهُ الِاغْتِسَالُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَلاَ يُبَالِي كَيْفَ احْتَجَمَ إذَا لَمْ يَقْطَعْ الشَّعْرَ أَوْ تَكُونَ مَحْظُورَةً عَلَيْهِ كَحَلَّاقِ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ‏؟‏ فَاَلَّذِي لاَ يَجُوزُ لَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَهُوَ إذَا فَعَلَهُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةٍ افْتَدَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا‏:‏ إذَا احْتَجَمَ مِنْ ضَرُورَةٍ أَنْ يَفْتَدِيَ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ فِي الْحِجَامَةِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا‏.‏

بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ‏,‏ وَالْحَدَأَةُ‏,‏ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ عِنْدَنَا جَوَابٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَكُلُّ مَا جُمِعَ مِنْ الْوَحْشِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَاحِ اللَّحْمِ فِي الْإِحْلاَلِ وَأَنْ يَكُونَ مُضِرًّا قَتَلَهُ الْمُحْرِمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَرَ الْمُحْرِمَ أَنْ يَقْتُلَ الْفَأْرَةَ وَالْغُرَابَ وَالْحَدَأَةَ مَعَ ضَعْفِ ضُرِّهَا إذْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَانَ مَا جَمَعَ أَنْ لاَ يُؤْكَلَ لَحْمُهُ وَضُرُّهُ أَكْثَرُ مِنْ ضُرِّهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ مُبَاحًا فِي الْإِحْرَامِ‏,‏ قُلْت‏:‏ قَدْ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ لاَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الطَّيْرِ مَا ضَرَّ إلَّا مَا سُمِّيَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ‏:‏ كَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ‏:‏ ‏{‏خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِمْ جُنَاحٌ‏}‏ يَدُلُّ عَلَى أَنْ مَا سِوَاهُنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِ جُنَاحٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ الْحَيَّةَ أَسُمِّيَتْ‏؟‏ فَقَدْ زَعَمَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ قُلْت‏:‏ فَيَرَاهَا كَلْبًا عَقُورًا قَالَ‏:‏ أَوَتَعْرِفُ الْعَرَبُ أَنَّ الْحَيَّةَ كَلْبٌ عَقُورٌ‏؟‏ إنَّمَا الْكَلْبُ عِنْدَهَا السَّبُعُ وَالْكِلاَبُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ مُتَقَارِبَةٌ كَخَلْقِ الْكَلْبِ‏,‏ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ إنَّهَا قَدْ تَضُرُّ فَتُقْتَلُ‏,‏ قِيلَ غَيْرَ مُكَابِرَةٍ كَمَا زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ فَأَخَافَهُمْ وَهِيَ لاَ تَعْدُو مُكَابَرَةً‏,‏ وَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّهَا تَضُرُّ هَكَذَا فَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقْتَلَ الزُّنْبُورُ فِي الْإِحْرَامِ وَالزُّنْبُورُ إنَّمَا هُوَ كَالنَّحْلَةِ فَكَيْفَ لَمْ تَأْمُرُوا بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ عُمَرُ وَأَمَرْتُمْ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ إذْ أَمَرَ بِهَا عُمَرُ‏؟‏ مَا أَسْمَعُكُمْ تَأْخُذُونَ مِنْ الْأَحَادِيثِ إلَّا مَا هَوَيْتُمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْتُمْ‏:‏ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ الصَّغِيرَةَ وَلاَ يَقْتُلُ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ وَإِذَا قُلْتُمْ هَذَا فَقَدْ أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنَعْتُمُوهُ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ إنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَضُرُّ وَالصَّغِيرُ لاَ يَضُرُّ فِي حَالِهِ تِلْكَ فَالْفَأْرَةُ الصَّغِيرَةُ لاَ تَضُرُّ فِي حَالِهَا تِلْكَ فَلاَ بُدَّ أَنْ تُخَالِفُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُرَابِ الصَّغِيرِ وَالْفَأْرَةِ الصَّغِيرَةِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ أَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْغُرَابَ يُقْتَلُ لِمَعْنَى ضَرَرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْتَلُ الْعُقَابُ لِأَنَّهَا أَضُرُّ مِنْهُ‏,‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ بَلْ الْحَدِيثُ جُمْلَةً لاَ الْمَعْنَى‏,‏ قِيلَ‏:‏ فَلِمَ لاَ يُقْتَلُ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ غُرَابٌ‏؟‏‏.‏

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ قَالَ‏:‏ يَفْعَلُ وَلاَ فِدْيَةَ وَلاَ حَرَجَ‏,‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدَّمَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً عَمِلَ مَا يَبْقَى عَلَيْهِ وَلاَ حَرَجَ‏,‏ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلنَّاسِ بِمِنًى يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ‏:‏ اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ‏:‏ ارْمِ وَلاَ حَرَجَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ‏.‏

بَابُ الشَّرِكَةِ فِي الْبَدَنَةِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ هَلْ يَشْتَرِي السَّبْعَةُ جَزُورًا فَيَنْحَرُونَهَا عَنْ هَدْيِ إحْصَارٍ أَوْ تَمَتُّعٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا نَحَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةٍ وَبَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بُيُوتَاتٍ شَتَّى لاَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ مُتَمَتِّعِينَ وَمَحْصُورِينَ وَعَنْ كُلِّ سَبْعَةٍ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ إذَا لَمْ يَجِدُوا شَاةً وَسَوَاءٌ اشْتَرَوْهَا وَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ مَلَكُوهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ مِلْكٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ لَوْ وُهِبَتْ لَهُمْ أَوْ مَلَكُوهَا بِوَجْهٍ غَيْرِ الشِّرَاءِ كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ أَوْلَى أَنْ تُجْزِئَ عَنْهُمْ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ لاَ تُذْبَحُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَلاَ الْبَقَرَةُ وَإِنَّمَا يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَلاَ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا لاَ يَشْتَرِكُ فِي الْبَدَنَةِ فِي النُّسُكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَوْ يُقَالُ لاَ يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ أَنْ يُوجِبَ الرَّجُلُ النَّسِيكَةَ ثُمَّ يُشْرِكُ فِيهَا غَيْرَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ وَلاَ حُجَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَكُمْ لاَ تُخَالِفُونَهُ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَ جَابِرٌ‏:‏ لَوْ كُنْت أُبْصِرُ لاََرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ الْوَاحِدِ وَفِعْلَهُ حُجَّةً فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ‏,‏ فَإِذَا وَجَدْتُمْ السُّنَّةَ وَفِعْلَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوهُ حُجَّةً‏.‏

بَابُ التَّمَتُّعِ فِي الْحَجِّ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْإِفْرَادَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ غَيْرَ كَرَاهِيَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَلاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ فُعِلَ التَّمَتُّعُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَقَدْ حَدَّثَنَا مَالِكٌ بَعْضَهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ‏:‏ ‏{‏سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَتَذَاكَرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ‏:‏ لاَ يَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ بِئْسَمَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ‏:‏ فَإِنَّ عُمَرَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ قَدْ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ قَوْلُ الضَّحَّاكِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ سَعْدٍ وَعُمَرُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَعْدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ عُمَرُ وَسَعْدٌ عَالِمَانِ بِرَسُولِ اللَّه وَمَا قَالَ عُمَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّه شَيْئًا يُخَالِفُ مَا قَالَ سَعْدٌ إنَّمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَكُنْت مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ‏:‏ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاََنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأَهْدِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُوَافِقَانِ مَا قَالَ سَعْدٌ مِنْ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْعُمْرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ هَذَا أَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ فِيهِ وَأَنْ تُثْبِتُوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا وَصَفْت وَادَّعَيْتُمْ مِنْ خِلاَفِ عُمَرَ وَسَعْدٍ وَعُمَرُ لَمْ يُخَالِفْ سَعْدًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا اخْتَارَ شَيْئًا غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَتْرُكُونَ أَنْتُمْ عَلَى عُمَرَ اخْتِيَارَهُ وَحُكْمَهُ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الِاخْتِيَارِ لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ لِمَا جَاءَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ لِقَوْلِكُمْ فَإِذَا جَازَ لَكُمْ هَذَا فَكَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَأَنَّكُمْ تَدَّعُونَ أَنَّهُ خَالَفَهَا وَهُوَ لاَ يُخَالِفُهَا وَمَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُخَالِفُهَا فَادَّعَيْتُمْ خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ وَتُخَالِفُونَ اخْتِيَارَهُ‏.‏

بَابُ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحِلاَقِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ‏:‏ جَائِزٌ وَأُحِبُّهُ وَلاَ أَكْرَهُهُ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَخْبَارِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيهِ‏؟‏ فَقَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ ‏{‏كُنْت أُطَيِّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ وَنَكْرَهُ الطِّيبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ الْإِحْلاَلِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَنَرْوِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنِّي أَرَاكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَا تَقُولُونَ فَقُلْت‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتُمْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ أَلَيْسَ إنَّمَا عَرَفْنَا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ فَقُلْت‏:‏ بَلَى فَقَالَ‏:‏ وَعَرَفْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَيَّبَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ بَلَى قَالَ‏:‏ وَكِلاَهُمَا صَادِقٌ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ نَعَمْ فَإِذَا عَلِمْنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَيَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ الطِّيبِ عِلْمًا وَاحِدًا هُوَ خَبَرُ الصَّادِقِينَ عَنْهُمَا مَعًا فَلاَ أَحْسَبُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْدِرُ أَنْ يَتْرُكَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُتَّهَمَ الْغَلَطُ عَلَى بَعْضِ مَنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حَدَّثَنَا جَازَ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عُمَرَ مِمَّنْ حَدَّثَنَا بَلْ مَنْ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ تَطَيُّبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِمَّنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَهْيَ عُمَرَ عَنْ الطِّيبِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَأَرَاكُمْ إذَا أَصَبْتُمْ لَمْ تَعْقِلُوا مِنْ أَيْنَ أَصَبْتُمْ وَإِذَا أَخْطَأْتُمْ لَمْ تَعْرِفُوا سُنَّةً تَذْهَبُونَ إلَيْهَا فَتُعْذَرُوا بِأَنْ تَكُونُوا ذَهَبْتُمْ إلَى مَذْهَبٍ بَلْ أَرَاكُمْ إنَّمَا تُرْسِلُونَ مَا جَاءَ عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ عَنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا مَنْ كَرِهَ الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ إنَّمَا نَهَى عَنْ الطِّيبِ أَنَّهُ‏:‏ ‏{‏حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ حِينَ سَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَخَلُوقٌ فَأَمَرَهُ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الصُّفْرَةِ‏}‏‏.‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَفَتَرَى لَنَا بِهَذَا حُجَّةً أَوْ إنَّمَا هَذَا شُبْهَةٌ وَمَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ قَالَهُ بِهَذَا فَقَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَيَّبَ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ بِمَا حَضَرَ‏:‏ ‏{‏وَتَطَيَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ‏}‏ فَلَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ كَانَ إبَاحَتُهُ التَّطَيُّبَ نَاسِخًا لِمَنْعِهِ وَلَيْسَا بِمُخْتَلِفَيْنِ إنَّمَا‏:‏ ‏{‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يَغْسِلَ الزَّعْفَرَانَ عَنْهُ وَقَدْ تَطَيَّبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِلْإِحْرَامِ وَكَانَتْ الْغَالِيَةُ تَرَى فِي مَفَارِقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ الرَّبِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَقَالَ سَالِمٌ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ عَائِشَةُ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ‏}‏ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ لِغَيْرِهَا وَتَرْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إذًا إلَيْكُمْ تَأْتُونَ مِنْهُ مَا شِئْتُمْ وَتَدَعُونَ مِنْهُ مَا شِئْتُمْ تَأْخُذُونَ بِلاَ تَبَصُّرٍ لِمَا تَقُولُونَ وَلاَ حُسْنَ رَوِيَّةٍ فِيهِ أَرَأَيْتُمْ إذَا خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ هَلْ عَرَفْتُمْ مَا قُلْتُمْ كَرِهْتُمْ الطِّيبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ كَانَ الطِّيبُ حَلاَلاً فَإِذَا كَرِهْتُمُوهُ إذَا كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلاَ وَجْهَ لِقَوْلِكُمْ إلَّا أَنْ تَقُولُوا وَجَدْنَاهُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا مَمْنُوعًا أَنْ يَبْتَدِئَ طِيبًا فَإِذَا تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَمَا يَبْقَى كَانَ كَابْتِدَاءِ الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ قُلْت‏:‏ فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ بِأَنْ يَدَّهِنَ الْمُحْرِمُ بِمَا يُبْقِي لِينَهُ‏,‏ وَذَهَابَهُ الشَّعَثَ وَيُرَجِّلَ الشَّعْرَ قَالَ‏:‏ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ مَا لاَ طِيبَ فِيهِ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ وَغَيْرِهِ قَالَ‏:‏ هَذَا لاَ يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ الِادِّهَانَ بِهِ وَلَوْ فَعَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْمُتَطَيِّبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا‏:‏ لاَ يَدَّهِنُ بِشَيْءٍ يُبْقِي فِي رَأْسِهِ لِينَةً سَاعَةً أَوْ تُجِيزُوا الطِّيبَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ انْبَغَى أَنْ لاَ يُقَالَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ‏.‏

بَابٌ فِي الْعُمْرَى

قَالَ‏:‏ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَالَ‏:‏ هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ حَدِيثِ النَّاسِ وَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا رَجُلٌ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا‏}‏ لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ قَالَ‏:‏ وَبِهَا نَأْخُذُ وَيَأْخُذُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَكَابِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ رَوَى هَذَا مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هَذَا فَقَالَ‏:‏ أَتَخَافُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت‏:‏ إنَّ حُجَّتَنَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولاً الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ‏:‏ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى مَا أَجَابَهُ الْقَاسِمُ عَنْ الْعُمْرَى بِشَيْءٍ وَمَا أَخْبَرَهُ إلَّا أَنَّ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقُولَ‏:‏ الْعُمْرَى مِنْ الْمَالِ وَالشَّرْطُ فِيهَا جَائِزٌ فَقَدْ شَرَطَ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ شُرُوطًا لاَ تَجُوزُ لَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا هِيَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْوَلاَءُ لِلْبَائِعِ فَيُعْتِقُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا‏:‏ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ فِي الْعُمْرَى فَلِمَ أَخَذْت بِالسُّنَّةِ مَرَّةً وَتَرَكْتهَا مَرَّةً‏؟‏ قَوْلُ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قَصَدَ الْعُمْرَى فَقَالَ‏:‏ إنَّهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِيهَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَرُدُّ بِهِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَلِمَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَحْنُ لاَ نَعْلَمُ أَنَّ الْقَاسِمَ قَالَ هَذَا إلَّا بِخَبَرِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَى بِخَبَرِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَبِلْنَا خَبَرَ الصَّادِقِينَ فَمَنْ رَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ مِمَّنْ رَوَى هَذَا عَنْ الْقَاسِمِ لاَ يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا قَالَهُ أُنَاسٌ بَعْدَهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يَكُونُوا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ بَلَغَهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُمْ لِنَاسٍ لاَ نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لاَ يَقُولُ الْقَاسِمُ قَالَ النَّاسُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَجْهَلُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً وَلاَ يَجْمَعُونَ أَبَدًا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَلاَ يَجْمَعُونَ إلَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قِيلَ لَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا‏:‏ شَأْنُكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهَا ثَلاَثَةٌ فَإِذَا قِيلَ لَكُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ قُلْتُمْ‏:‏ لاَ نَدْرِي مَنْ النَّاسُ الَّذِينَ يَرْوِي هَذَا عَنْهُمْ الْقَاسِمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ حُجَّةً عَلَيْكُمْ فِي رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَهُوَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً أَبْعَدُ وَلَئِنْ كَانَ حُجَّةً لَعَلَّهُ أَخْطَأْتُمْ بِخِلاَفِكُمْ إيَّاهُ بِرَأْيِكُمْ وَإِنَّا لَنَحْفَظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعُمْرَى مِثْلَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ كُنْت عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ‏:‏ إنِّي وَهَبْت لِابْنِي نَاقَةً حَيَاتَهُ وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ إبِلاً فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ فَقَالَ‏:‏ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِهَا قَالَ‏:‏ ذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ يَعْنِي كَبُرَتْ وَاضْطَرَبَتْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْمَدِينَةِ بِالْعُمْرَى عَنْ قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ تَعْمُرُوا وَلاَ تَرْقُبُوا فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ حَضَرْت شُرَيْحًا قَضَى لِأَعْمَى بِالْعُمْرَى فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَى‏:‏ يَا أَبَا أُمَيَّةَ بِمَا قَضَيْت لِي‏؟‏ فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ‏:‏ لَسْت أَنَا قَضَيْت لَك وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لَك مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ‏:‏ وَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَتَتْرُكُونَ مَا وَصَفْت مِنْ الْعُمْرَى مَعَ ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهَذَا عِنْدَكُمْ عُمِلَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَوَهُّمٍ فِي قَوْلِ الْقَاسِمِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي قَوْلِ الْقَاسِمِ أَفْتَى فِي رَجُلٍ قَالَ لِأَمَةِ قَوْمٍ شَأْنُكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ تُخَالِفُونَهُ بِرَأْيِكُمْ وَمَا رَوَى الْقَاسِمُ عَنْ النَّاسِ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلاَ نَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ تُسْتَحَبُّ قَالَ‏:‏ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يَكُونَ اسْتَحَبَّهَا إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَجُوسِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إذَا أُصِيبُوا يُقْضَى لَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَعْقِلُهُمْ قَوْمُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُلْت‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلاَ نَلْتَفِتُ إلَى رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إنَّ النَّاسَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ سُلَيْمَانُ مِثْلُ الْقَاسِمِ فِي السِّنِّ أَوْ أَسَنُّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ حُجَّةٌ بِقَوْلِ الْقَاسِمِ ‏"‏ النَّاسَ ‏"‏ فَهِيَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَلْزَمُ لِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَوْلٌ‏.‏

بَابٌ فِي الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ

سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الْمُشْرِكِينَ الْوَثَنِيِّينَ الْحَرْبِيِّينَ يُسْلِمُ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ أَوْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ أَقَامَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ خَرَجَ فَقَالَ‏:‏ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ إصَابَتُهَا وَلاَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا إذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُسْلِمًا‏,‏ وَنَظَرْتُهُمَا انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ‏,‏ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ فَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ هِيَ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ‏.‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ عَلاَمَ اعْتَمَدْت فِي هَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ عَلَى مَا لاَ أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فِي هَذَا اخْتِلاَفًا مِنْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَأَنَّ امْرَأَةَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ أَسْلَمَتَا قَبْلَهُمَا ثُمَّ اسْتَقَرُّوا عَلَى النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَهُمْ إسْلاَمًا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ أَحَادِيثُ لاَ يَحْضُرنِي ذِكْرُهَا وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْهَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ هَرَبَ مِنْ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ مُشْرِكًا وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ فَكَانَ بَيْنَ إسْلاَمِ صَفْوَانَ وَامْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَرَأَيْت إنْ قُلْت مِثْلَ إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ زَوْجِهَا خَرَجَتْ مِنْ الدَّارِ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ فَلَمْ تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذًا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خِلاَفُ التَّأْوِيلِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسِ وَمَا الْقَوْلُ فِي رَجُلٍ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ قَبْلَ زَوْجِهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْتُمْ قَوْمٌ لَمْ تَعْرِفُوا فِيهِ الْأَحَادِيثَ أَوْ عَرَفْتُمُوهَا فَرَدَدْتُمُوهَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِذَا تَأَوَّلْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ لَمْ تَعْدُوا أَنْ تَكُونُوا أَرَدْتُمْ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا مَكَانَهُ وَأَنْتُمْ لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا تُقْطَعُ بَيْنَهُمَا إذَا عَرَضَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْإِسْلاَمَ فَأَبَتْ وَقَدْ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ مِنْ سَاعَتِهَا وَيَعْرِضُ عَلَيْهَا بَعْدَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ فَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرِ الآيَةِ وَلَمْ تَقُولُوا فِي هَذَا بِخَبَرٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِ ظَاهِرِ الآيَةِ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ فَقُلْت‏:‏ فَإِنْ قُلْت يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ مِنْ سَاعَتِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَفَلَيْسَ يُقِيمُ بَعْدَ إسْلاَمِهِ قَبْلَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ أَوْ رَأَيْتُمْ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَوْضِعِ إسْلاَمِهِ أَوْ بَكْمَاءَ لاَ تُكَلَّمُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ تَطْلُقُ فَقَدْ تَرَكْتُمْ الْعَرْضَ وَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ يَنْتَظِرُ بِهَا فَقَدْ أَقَامَتْ فِي حِبَالِهِ وَهِيَ كَافِرَةٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْآيَةُ فِي الْمُمْتَحِنَةِ مِثْلُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى تِلْكَ لاَ تَعْدُو هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَنْ تَكُونَا تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ دِينَا الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ لاَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ جِمَاعُ زَوْجَتِهِ لِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونَ لاَ يَحِلُّ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَتِمُّ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ إنْ جَاءَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ وَلَمْ يُسْلِمُ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَصْلُحْ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ لِأَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ‏:‏ مُدَّتُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ يَوْمٌ لَمْ يَجُزْ هَذَا مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْ جِهَةِ الْأَخْبَارِ اللَّازِمَةِ فَلَمَّا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ مُقِيمَةٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ لَمْ تُسْلِمْ وَأَمَرَتْ بِقَتْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ أَيَّامِ فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلاَمِ وَأَسْلَمَتْ زَوْجَتَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ حَمَلَ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْ هُمَا مَعًا فَذَكَرَ فِيهِ تَوْقِيتَ الْعِدَّةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِنْهُمَا لاَ أَنَّ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَيَكُونُ الْفَرْجُ مَمْنُوعًا حِينَ يُسْلِمُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجِ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ الزَّوْجِ أَتَجْهَلُونَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لاَ وَلَكِنْ كَانَ الَّذِي بَيْنَ إسْلاَمِهِمَا يَسِيرًا قِيلَ‏:‏ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَقَدْ أَقَامَتْ هِنْدُ عَلَى الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَاسْتَقَرَّ عَلَى النِّكَاحِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى قِيلَ‏:‏ أَوْ لَيْسَ بَقِيَتْ عُقْدَتُهُ عَلَيْهَا وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا قَالَ‏:‏ بَلَى قِيلَ‏:‏ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ حَرُمَتْ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ الْآيَةَ وَقَوْلُكُمْ‏:‏ وَعَلِمْتُمْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هِنْدَ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْتُمْ وَإِذَا كَانَ‏:‏ ‏{‏لاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ جَاءَتْ عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ لَمْ تُسْلِمْ فِيهَا فَالْمُدَّةُ لاَ تَجُوزُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لاَ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعْرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ فَتَأْبَاهُ فَإِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ فَأَبَتْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قِيلَ‏:‏ فَإِذَا كَانَتْ بِبِلاَدٍ نَائِيَةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهَا الْإِسْلاَمَ وَهَذَا خَارِجٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَعْقُولُ إنْ كَانَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا انْبَغَى أَنْ نُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلاَمِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ فَالْمُدَّةُ الَّتِي نَذْهَبُ إلَيْهَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ الْعِدَّةُ‏.‏

بَابٌ فِي أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَقْتَسِمُونَ الدُّورَ وَيَمْلِكُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَلَى ذَلِكَ الْقِسْمِ وَيُسْلِمُونَ ثُمَّ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْقِسْمَ وَيَقْسِمَهُ عَلَى قِسْمِ الْإِسْلاَمِ فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت‏:‏ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏‏:‏ قَالَ‏:‏ الِاسْتِدْلاَل بِمَعْنَى الْإِجْمَاعِ وَالسُّنَّةِ قُلْت‏:‏ وَأَيْنَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَرَأَيْت أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ إذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَغَصَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَهْدَرْت الدِّمَاءَ وَأَقْرَرْت الْأَرِقَّاءَ فِي يَدَيْ مَنْ أَسْلَمُوا وَهُمْ رَقِيقٌ لَهُمْ وَالْأَمْوَالُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ فَإِذَا مَلَكُوا بِقِسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا ذَلِكَ الْمِلْكُ بِأَحَقَّ وَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لِمَنْ مَلَكَهُ مِنْ مِلْكِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِرْقَاقِ لِمَنْ كَانَ جَرًّا مَعَ أَنَّهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلاَمُ لَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلاَمِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ نَحْنُ نَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا أَثْبَتَ مِنْ هَذَا بِمِثْلِ مَعْنَاهُ‏.‏

بَابُ الْبُيُوعِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي بِذَهَبٍ إلَى دَارِ الضَّرْبِ فَيُعْطِيهَا الضَّرَّابَ بِدَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٍ وَيَزِيدُهُ عَلَى وَزْنِهَا‏,‏ قَالَ‏:‏ هَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ الْمُعَجَّلُ قُلْت وَمَا الْحُجَّةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَذَا قَالَ‏:‏ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ أَجَزْتُمُوهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مِنْ ضَرْبِ قَوْلِكُمْ فِي اللَّحْمِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِغَيْرِ وَزْنٍ بِالْبَادِيَةِ وَحَيْثُ لَيْسَ مَوَازِينُ فَإِنْ كَانَ اللَّحْمُ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ فَقَدْ أَجَزْتُمُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلِمَ تُحَرِّمُونَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَتُجِيزُونَهُ فِي الْبَادِيَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تُجِيزُونَ بِالْبَادِيَةِ تَمْرًا بِتَمْرٍ إلَّا مِثْلاَ بِمِثْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَادِيَةِ مِكْيَالٌ وَأَجَزْتُمْ هَذَا فِي الْخُبْزِ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِغَيْرِ وَزْنٍ إذَا تَحَرَّى فِي الْقَرْيَةِ وَالْبَادِيَةِ وَفِي الْبَيْضِ وَمَا أَشْبَهَهُ‏.‏

بَابُ مَتَى يَجِبُ الْبَيْعُ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ‏:‏ مَتَى يَجِبُ الْبَيْعُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِلْبَائِعِ نَقْضُهُ وَلاَ لِلْمُشْتَرِي نَقْضُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَقَامِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ‏}‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلاَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْحَدِيثُ بَيِّنٌ لاَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَلَكِنِّي أَحْسِبُكُمْ الْتَمَسْتُمْ الْعُذْرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِتَجَاهُلٍ كَيْفَ وَجْهُ الْحَدِيثِ وَأَيُّ شَيْءٍ فِيهِ يَخْفَى عَلَيْهِ قَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ حِينَ اصْطَرَفَ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ أَنْظِرْنِي حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَقْبِضَ مِنْهُ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْفِرَاقَ فِرَاقُ الْأَبَدَانِ فَكَيْفَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَنَّ الْفِرَاقَ فِرَاقُ الْأَبْدَانِ‏}‏ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ لَيْسَ هَذَا أَرَدْنَا إنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ فَابْنُ عُمَرَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ابْتَاعَ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلاً ثُمَّ رَجَعَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ خَالَفْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَ عُمَرَ جَمِيعًا‏.‏

بَابُ بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ بَيْعِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ وَالْقِبْطِيَّةِ وَبَيْعِ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ بِصِفَةٍ أَوْ غَيْرِ صِفَةٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ إلَّا لِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ قُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ فِي السَّاجِ الْمُدْرَجِ وَالْقِبْطِيِّ الْمُدْرَجِ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْمُلاَمَسَةِ وَنَزْعُمُ أَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ يَجُوزُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَالْأَعْدَالُ الَّتِي لاَ تُرَى أُدْخِلَ فِي مَعْنَى الْغَرَرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ الْقِبْطِيَّةِ وَالسَّاجِ يُرَى بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلِأَنَّهُ لاَ يُرَى مِنْ الْأَعْدَالِ شَيْءٌ وَأَنَّ الصَّفْقَةَ تَقَعُ مِنْهَا عَلَى ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ إنَّمَا نُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ أَجَازُوهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ مَا عَلِمْت أَحَدًا يَقْتَدِي بِهِ فِي الْعَلَمِ أَجَازَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ إنَّمَا أَجَزْنَاهُ عَلَى الصَّفْقَةِ فَبُيُوعُ الصَّفَقَاتِ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَضْمُونَةً عَلَى صَاحِبِهَا بِصِفَةٍ يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُ الْبَرْنَامَجِ أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَيَكُونُ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِصِفَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ لاَ فَهَذَا لاَ بَيْعُ عَيْنٍ وَلاَ بَيْعُ صِفَةٍ‏.‏

بَابُ بَيْعِ الثَّمَرِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلاَئِلُ بَيِّنَةٌ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ قَالَ وَصَلاَحُهُ أَنْ تَرَى فِيهِ الْحُمْرَةَ أَوْ الصُّفْرَةَ لِأَنَّ الْآفَةَ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ يَجِدُ بُسْرًا وَهُوَ فِي الْحَالِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا ظَاهِرٌ يَرَاهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كَمَا كَانَا يَرَيَانِهِ إذَا رُئِيَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ مَعْنَى أَنَّ الْآفَةَ رُبَّمَا كَانَتْ فَقَطَعَتْهُ أَوْ نَقَصَتْهُ كَانَتْ كُلُّ ثَمَرَةٍ مِثْلَهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ أَبَدًا حَتَّى تُزْهَى وَتُنْضَجَ مِنْهَا ذَلِكَ وَبِهَذَا قُلْنَا وَقَدْ قُلْتُمْ بِالْجُمْلَةِ وَقُلْنَا‏:‏ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَلاَ الْخِرْبِزِ وَإِنْ ظَهَرَ وَعَظُمَ حَتَّى يُرَى فِيهِ النُّضْجُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْنَا‏:‏ فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حَتَّى يُرَى فِيهِ النُّضْجُ كَانَ بَيْعُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ أَحْرَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ وَلَمْ يُخْلَقْ وَلاَ يُدْرَى لَعَلَّهُ لاَ يَكُونُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ إذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقِثَّاءِ حَلَّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَتُهُ تِلْكَ وَمَا خَلَقَ مِنْ الْقِثَّاءِ مَا نَبَتَ أَصْلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ‏:‏ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ‏}‏ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ شَيْءٍ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ‏؟‏‏:‏ ‏{‏وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ‏}‏ وَبَيْعُ السِّنِينَ بَيْعُ الثَّمَرِ سِنِينَ فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّخْلِ إذَا طَابَتْ الْعَامَ أَنَّ ثَمَرَتَهُ قَابِلاً فَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ بَيْعَ ثَمَرَةٍ لَمْ تَأْتِ لاَ يَحِلُّ فَكَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْفُجْلِ يُشْتَرَى أَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَالَ‏:‏ لاَ وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ كَمَا قُلْت‏:‏ لاَ يُبَاعُ حَتَّى يُقْبَضَ وَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ هَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْقَوْلِ قُلْت وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ حَتَّى يُقْبَضَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَهَذَا فِي حُكْمِ الطَّعَامِ مِنْ التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ الطَّعَامِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إمَّا أَنْ تَكُونَ خَارِجَةً مِنْ الطَّعَامِ فَلاَ بَأْسَ عِنْدَكُمْ أَنْ تُبَاعَ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ وَيُبَاعَ مِنْهَا وَاحِدٌ بِعَشَرَةٍ مِنْ صِنْفِهِ نَسِيئَةً أَوْ تَكُونَ طَعَامًا فَلاَ يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي الصِّنْفِ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ صِنْفِهِ يَدًا بِيَدٍ‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْكَلْبَ لِلرَّجُلِ فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ‏}‏ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلاَبِ الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ نَحْنُ نُجِيزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ الْكِلاَبَ الضَّوَارِيَ وَلاَ نُجِيزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا حَرَّمْنَا ثَمَنَهَا فِي الْحَالِ الَّتِي يَحِلُّ اتِّخَاذُهَا فِيهِ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَنٌ بِحَالٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَلْبًا غَرِمَ لَهُ ثَمَنَهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَخِلاَفُ أَصْلِ قَوْلِكُمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُغَرِّمُوهُ ثَمَنَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي تَفُوتُ فِيهَا نَفْسُهُ وَأَنْتُمْ لاَ تَجْعَلُونَ لَهُ ثَمَنًا فِي الْحَالِ الَّتِي يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِيهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ وَيُرْوَى فِيهِ أَثَرٌ فَأُولَئِكَ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ حَيًّا وَيَرُدُّونَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِهِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَلْبَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ يَحِلُّ ثَمَنُهُ كَمَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُمَا لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا وَيَقُولُونَ‏:‏ لَوْ زَعَمْنَا أَنَّ ثَمَنَهُ لاَ يَحِلُّ زَعَمْنَا أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَيَقُولُونَ أَشْبَاهًا لِهَذَا كَثِيرَةً فَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَاشِيَةً لِرَجُلٍ لَوْ مَاتَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْلُخَ جُلُودَهَا فَيَدْبُغَهَا فَإِذَا دُبِغَتْ حَلَّ بَيْعُهَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ قَبْلَ الدَّبَّاغِ لَمْ يَضْمَنْ لِصَاحِبِهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ ثَمَنُهَا حَتَّى تُدْبَغَ وَيَقُولُونَ فِي الْمُسْلِمِ يَرِثُ الْخَمْرَ أَوْ تُوهَبُ لَهُ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يُفْسِدَهَا فَيَجْعَلَهَا خَلًّا فَإِذَا صَارَتْ خَلًّا حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ وَهِيَ خَمْرٌ أَوْ بَعْدَ مَا أُفْسِدْت وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لَمْ يَضْمَنْ ثَمَنَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ أَصْلَهَا مُحَرَّمٌ وَلَمْ تَصِرْ خَلًّا لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ مَا يَقُولُونَ‏:‏ وَإِنَّمَا صَارُوا مَحْجُوجِينَ بِخِلاَفِ الْحَدِيثِ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَهُمْ لاَ يُثْبِتُونَهُ وَأَنْتُمْ مَحْجُوجُونَ بِأَنَّكُمْ لَمْ تَتَّبِعُوهُ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ وَلاَ تَجْعَلُونَ لِلْكَلْبِ ثَمَنًا إذَا كَانَ حَيًّا وَتَجْعَلُونَ فِيهِ ثَمَنًا إذَا كَانَ مَيِّتًا أَوْ رَأَيْتُمْ لَوْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ لاَ أَجْعَلُ لَهُ ثَمَنًا إذَا قُتِلَ لِأَنَّهُ قَدْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَأُجِيزَ أَنْ يُبَاعَ حَيًّا مَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ وَكَانَ حَلاَلاً أَنْ يُتَّخَذَ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ لَهُ مَالِكٌ وَكَانَ لَهُ ثَمَنٌ فِي حَيَاتِهِ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ فِي الْأُخْرَى‏.‏

بَابُ الزَّكَاةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَتَقُولُونَ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ فِي مَعَانٍ وَقَدْ زَعَمْتُمْ وَزَعَمْنَا أَنْ لاَ يُضَمَّ صِنْفُ طَعَامٍ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّا إذَا ضَمَمْنَاهَا فَقَدْ أَخَذْنَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حَتَّى تَكُونَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَضُمُّونَ الْحِنْطَةَ وَالسُّلْتَ وَالشَّعِيرَ مَعًا لِأَنَّ سَعْدًا لَمْ يُجِزْ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏بِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ فِي السُّلْتِ شَيْئًا عَلِمْتُهُ وَالسُّلْتُ غَيْرُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرُ مِنْ الزَّبِيبِ أَقْرَبُ مِنْ السُّلْتِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تَضُمُّونَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَضُمُّونَ الْقُطْنِيَّةَ كُلَّهَا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ حُجَّتَكُمْ فِيهَا أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ نَأْخُذُ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالْعُشُورِ أَفَيُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ وَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ أَفَيُضَمُّ الزَّبِيبُ إلَى الْحِنْطَةِ‏؟‏ إنَّ هَذَا لِإِحَالَةٍ عَمَّا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَخِلاَفُهُ هَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ أَنْتُمْ تُحِلُّونَ التَّفَاضُلَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَكَيْفَ حَلَّ لَكُمْ أَنْ تَضُمُّوهَا وَهِيَ عِنْدَكُمْ مُخْتَلِفَةٌ‏؟‏ وَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ يَحِلَّ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَهِيَ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ‏؟‏ مَا أَعْلَمُ قَوْلَكُمْ فِي الْقُطْنِيَّةِ وَالسُّلْتِ وَالشَّعِيرِ إلَّا خِلاَفًا لَلسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ‏.‏

بَابُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ النِّكَاحِ فَقَالَ‏:‏ كُلُّ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فَأَمَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَثَبَتُّمْ هَذَا وَقُلْتُمْ‏:‏ لاَ يَجُوزُ نِكَاحٌ إلَّا بِوَلِيٍّ وَنَحْنُ نَقُولُ فِيهِ بِأَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ أَثْبَتَ مِنْ أَحَادِيثِهِ وَأَبْيَنَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ‏}‏ ثَلاَثًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ جَمَعَ الطَّرِيقُ رَكْبًا فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا رَجُلاً فَجَلَدَ عُمَرُ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لاَ نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ‏.‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ نَحْنُ نَقُولُ فِي الدَّنِيَّةِ لاَ بَأْسَ بِأَنْ تُنْكَحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ‏,‏ وَنَفْسَخُهُ فِي الشَّرِيفَةِ فَقَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ عُدْتُمْ لِمَا سَدَدْتُمْ مِنْ أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ فَنَقَضْتُمُوهُ قُلْتُمْ لاَ بَأْسَ أَنْ تُنْكَحُ الدَّنِيَّةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلاَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ فَمَنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَخُصُّوا الشَّرِيفَةَ بِالْحِيَاطَةِ لَهَا وَاتِّبَاعِ الْحَدِيثِ فِيهَا‏,‏ وَتُخَالِفُونَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّنْ بَعْدَهُ فِي الدَّنِيَّةِ‏؟‏ أَرَأَيْتُمْ لَوْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ بَلْ لاَ أُجِيزُ نِكَاحَ الدَّنِيَّةِ إلَّا بِوَلِيٍّ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ أَنْ تُدَلِّسَ بِالنِّكَاحِ وَتَصِيرَ إلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ الشَّرِيفَةِ الَّتِي تَسْتَحْيِي عَلَى شَرَفِهَا وَتَخَافُ مَنْ يَمْنَعُهَا أَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَصَابَ مِنْكُمْ‏؟‏ فَإِنَّ الْخَطَأَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لاََبْيَنُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجُ إلَى تَبَيُّنِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ حِكَايَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ النِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ إلَّا بِمَا أُبِيحَتْ بِهِ الْفُرُوجُ مِنْ النِّكَاحِ بِالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهُودِ وَالرِّضَا وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ فِي شَرِيفَةٍ وَلاَ وَضِيعَةٍ‏,‏ وَحَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ‏,‏ وَفِيهِنَّ كُلِّهِنَّ وَاحِدٌ لاَ يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُنَّ وَلاَ يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا بِمَا حُلَّ لِلْأُخْرَى وَحُرِّمَ مِنْهَا‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ أَقَلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ الصَّدَاقِ فَقَالَ‏:‏ الصَّدَاقُ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ فَمَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ فِي الصَّدَاقِ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا مَا تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ جَازَ قُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَالْآثَارُ فَأَمَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ فَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لاَ أَجِدُ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لاَ يَكُونُ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَنَحْتَجُّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ فَأَيَّ شَيْءٍ يُعْطِيهَا لَوْ أَصْدَقَهَا دِرْهَمًا‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ قُلْت‏:‏ فَهَذَا قَلِيلٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ خَالَفْتُمْ بِهِ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ وَالْآثَارَ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ بِالْمَدِينَةِ عَلِمْنَاهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ‏:‏ ثَلاَثُ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا فَمَا فَوْقَهُ جَازَ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُجِيزُ النِّكَاحَ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَلَّ وَإِنَّمَا تَعَلَّمْتُمْ هَذَا فِيمَا نَرَى مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَخْطَأْتُمْ قَوْلُهُ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ‏:‏ لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِمَّا نَقْطَعُ فِيهِ الْيَدَ‏,‏ وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ أَوْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَإِلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبْتُمْ‏؟‏ فَرَوَى عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ شَيْئًا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لاَ يَكُونُ مَهْرٌ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ فَقُلْتُمْ‏:‏ يَكُونُ الصَّدَاقُ رُبْعَ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ إنَّا اسْتَقْبَحْنَا أَنْ يُبَاحَ الْفَرْجُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قُلْنَا‏:‏ أَفَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً بِدِرْهَمٍ يَحِلُّ لَهُ فَرْجُهَا‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا‏:‏ فَقَدْ أَبَحْتُمْ فَرْجًا وَزِيَادَةَ رَقَبَةٍ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَجَعَلْتُمُوهَا تُمْلَكُ رَقَبَتُهَا وَيُبَاحُ فَرْجُهَا بِدِرْهَمٍ وَأَقَلَّ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يُبَاحُ فَرْجُهَا مَنْكُوحَةً إلَّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رَأَيْت عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِسَوْدَاءَ فَقِيرَةٍ يَنْكِحُهَا شَرِيفٌ أَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ لِقَدْرِهَا مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِشَرِيفَةٍ غَنِيَّةٍ نَكَحَهَا دَنِيءٌ فَقِيرٌ‏؟‏ أَوْ رَأَيْتُمْ وَحِينَ ذَهَبْتُمْ إلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فَجَعَلْتُمْ الصَّدَاقَ قِيَاسًا عَلَيْهِ أَلَيْسَ الصَّدَاقُ بِالصَّدَاقِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ الصَّدَاقُ خَبَرٌ وَالْقَطْعُ خَبَرٌ لاَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْعَدَدِ هَذَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ وَهَذَا يَجُوزُ مَهْرًا فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ لاَ يَجُوزُ صَدَاقٌ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ‏;‏ لِأَنَّ ذَلِكَ صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَاقُ بَنَاتِهِ أَلاَ يَكُونُ أَقْرَبَ مِنْكُمْ‏؟‏ أَوْ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏;‏ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَلاَ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ مِنْكُمْ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا غَيْرَ مُصِيبٍ وَإِذَا كَانَ لاَ يَنْبَغِي هَذَا وَمَا قُلْتُمْ فَلاَ يَنْبَغِي فِيهِ إلَّا اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ أَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يُصْدِقُ الْمَرْأَةَ صَدَاقَ مِثْلِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَجُوزُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ رَدُّهُ‏.‏ وَيُصْدِقُ الْمَرْأَةَ عَشَرَةً وَصَدَاقُ مِثْلِهَا آلاَفٌ فَيَجُوزُ وَلاَ يَكُونُ لَهَا رَدُّ ذَلِكَ كَمَا تَكُونُ الْبُيُوعُ يَجُوزُ فِيهَا التَّغَابُنُ بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِمَ يَكُون هَكَذَا فِيمَا فَوْقَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيمَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَيْسَ إرْخَاءُ السُّتُورِ يُوجِبُ الصَّدَاقَ عِنْدِي لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ وَلاَ نُوجِبُ الصَّدَاقَ إلَّا بِالْمَسِيسِ قَالَ‏:‏ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَهُوَ مَعْنَى الْقُرْآنِ‏.‏

بَابٌ فِي الرَّضَاعِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سَهْلَةَ ابْنَة سُهَيْلٍ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِهِنَّ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا‏:‏ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ‏"‏ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يُرْضَعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فَأَرْضَعَتْهُ ثَلاَثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْهُ غَيْرَ ثَلاَثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلْ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُكْمِلْ لَهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَرَوَيْتُمْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابًا أَنْ ‏"‏ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ‏,‏ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهِيَ مِمَّا يَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ‏,‏ وَرُوِيَ‏:‏ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يُرْضَعَ سَالِمٌ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ‏}‏ وَرَوَيْتُمْ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَخَالَفْتُمُوهُ وَرَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ تُحَرِّمُ فَتَرَكْتُمْ رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَرَأْيَهَا وَرَأْيَ حَفْصَةَ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَأْيَهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَوَافَقَ ذَلِكَ رَأْيَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ الْعَمَلُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلاَ الْمَصَّتَانِ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَسَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ وَحَفِظَهُ عَنْهُ وَكَانَ يَوْمَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلاَءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبِهَذَا أَقُولُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ إنَّا نَقُولُ فِي السَّائِبَةِ وَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَفِي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ وَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَتَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ أَوْ يَلْتَقِطُهُ أَوْ يُوَالِيه لاَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ وَلاَءٌ‏;‏ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلاَءِ لَمْ يُعْتِقْ‏,‏ وَالْعِتْقُ يَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ ثُمَّ تَعُودُونَ فَتَخْرُجُونَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ وَأَصْلِ قَوْلِكُمْ فَتَقُولُونَ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَؤُهُ‏,‏ وَإِذَا أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَؤُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَلاَ يَعْدُو الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً‏,‏ وَالنَّصْرَانِيُّ يُعْتِقُ عَبْدَهُ مُسْلِمًا أَنْ يَكُونَا مَالِكَيْنِ يَجُوزُ عِتْقُهُمَا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏ فَمَنْ قَالَ‏:‏ لاَ وَلاَءَ لِهَذَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ الْوَلاَءَ مِنْ الْمُعْتَقِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ إذَا كَانَا لاَ يَثْبُتُ لَهُمَا الْوَلاَءُ فَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حُرًّا لِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لَهُمَا الْوَلاَءُ وَأَنْتُمْ وَاَللَّهُ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ مَا تَتْرُكُونَ‏,‏ وَلاَ مَا تَأْخُذُونَ فَقَدْ تَرَكْتُمْ عَلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ‏:‏ وَلاَؤُهُ لَك وَتَرَكْتُمْ عَلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ وَلاَءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَتَرَكْتُمْ حَدِيثَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ لَهُ وَلاَؤُهُ‏}‏ وَقُلْتُمْ‏:‏ الْوَلاَءُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلاَ يَزُولُ بِهِبَةٍ وَلاَ شَرْطٍ عَنْ مُعْتِقٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ فِي السَّائِبَةِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَفِي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ وَهُوَ مُعْتَقٌ أَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُمَا فَلَوْ أَخَذْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ فِيهِ بِتَبَصُّرٍ كَانَ السَّائِبَةُ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوْلَى أَنْ تَقُولُوا‏:‏ وَلاَءُ السَّائِبَةِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ‏,‏ وَالْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَعْتَقَهُ وَقَدْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا كَانَ مَا خَالَفْتُمُوهُ لِمَا خَالَفَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏ أَوْلَى أَنْ تَتَّبِعُوهُ‏;‏ لِأَنَّ فِيهِ آثَارًا مِمَّا لاَ أَثَرَ فِيهِ‏.‏

بَابُ الْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ‏:‏ إنِّي لاَ أَجِدُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فَقَالَ‏:‏ لَهُ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُلْهُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَصَبْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ‏:‏ لاَ قَالَ فَاجْلِسْ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله بِهَذَا نَقُولُ يُعْتِقُ رَقَبَةً لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهَا إذَا وَجَدَهَا وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُكَفِّرُوا إلَّا بِإِطْعَامٍ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ كَيْفَ تَرْوُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تُخَالِفُونَهُ‏,‏ وَلاَ تُخَالِفُونَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَحَدًا قَطُّ فِي شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ قَبْلَكُمْ وَلاَ بَلَغَنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ هَذَا‏,‏ وَمَا لِأَحَدٍ خِلاَفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

بَابٌ فِي اللُّقَطَةِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَقَالَ‏:‏ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا إنْ شَاءَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا لَهُ فَقُلْت لَهُ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَرَوَى هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا‏,‏ وَأُبَيُّ مِنْ مَيَاسِيرِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ وَقَبْلُ وَبَعْدُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً‏,‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَر ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِمَنْ يَقْدَمُ مِنْ الشَّامِ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنُك بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَرَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ بَعْدَ سَنَةٍ أَكْلَ اللُّقَطَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ ذَلِكَ‏,‏ وَقُلْتُمْ نَكْرَهُ أَكْلَ اللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ وَالْمِسْكَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى‏؟‏ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ عَرِّفْهَا قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْت قَالَ زِدْ قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْت قَالَ‏:‏ لاَ آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْت لَمْ تَأْخُذْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَابْنُ عُمَرَ لَمْ يُوَقِّتْ فِي التَّعْرِيفِ وَقْتًا وَأَنْتُمْ تُوَقِّتُونَ فِي التَّعْرِيفِ سَنَةً وَابْنُ عُمَرَ كَرِهَ لِلَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَكْلَهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا‏,‏ وَأَنْتُمْ لَيْسَ هَكَذَا تَقُولُونَ وَابْنُ عُمَرَ كَرِهَ لَهُ أَخْذَهَا وَابْنُ عُمَرَ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَأَنْتُمْ لاَ تَكْرَهُونَ لَهُ أَخْذَهَا بَلْ تَسْتَحِبُّونَهُ وَتَقُولُونَ‏:‏ لَوْ تَرَكَهَا ضَاعَتْ‏.‏

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ‏:‏ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ إذَا لَبِسَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَصَلَّى‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَآهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ‏:‏ خَلِّ أَبَاك فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ إذَا أَدْخَلْت رِجْلَيْك فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَائِطِ‏,‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَالَ فِي السُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قُبَاءَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ صَلَّى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَخَالَفْتُمْ مَا رَوَى صَاحِبُكُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ شِهَابٍ فَقُلْتُمْ لاَ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ يَضَعُ الَّذِي يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَدًا مِنْ فَوْقِ الْخُفَّيْنِ وَيَدًا مِنْ تَحْتِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِلاَفُ الْعَمَلِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ فَكَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَذْهَبُونَ إلَى الْعَمَلِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ‏:‏ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ‏,‏ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي‏}‏‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجِهَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ ‏{‏عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْت لَهُ‏:‏ مَا بَالُ النَّاسِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِي الثَّالِثَةِ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ‏؟‏ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَهَا اللَّهِ إذًا لاَ يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدٍ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ‏:‏ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاََوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلاَمِ قَالَ مَالِكٌ الْمَخْرَفُ النَّخِيلُ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فِي الْإِقْبَالِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِحَالٍ‏;‏ لِأَنَّ إعْطَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَبَ حُكْمٌ مِنْهُ وَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ السَّلَبَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَأَعْطَاهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ‏.‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فَقَالَ‏:‏ تَدَعُونَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَاتِلِ فَكَيْفَ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ‏؟‏ أَوْ رَأَيْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَعْطَى مَنْ حَضَرَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ هَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ إعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَامِّ وَالْحُكْمِ حَتَّى تَأْتِي دَلاَلَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ قَوْلَهُ خَاصٌّ فَيَتْبَعُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَدَّعِيَ أَنَّ قَوْلَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا حُكْمٌ‏,‏ وَالْآخَرُ اجْتِهَادٌ بِلاَ دَلاَلَةٍ فَإِنْ جَازَ هَذَا خَرَجَتْ السُّنَنُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ‏,‏ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوْ آخَرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَوْ أَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى مَا آخُذُ بِهِ‏,‏ وَالْقَوْلُ الْوَاحِدُ مِنْهُ يَلْزَمُ لُزُومَ الْأَقَاوِيلِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا‏,‏ وَقَوْلُكُمْ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وَكَانَ لِمَنْ حَضَرَ فَكَيْفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَرَّةً فَيُعْطِيَهُ وَيَجْتَهِدَ أُخْرَى فَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ‏؟‏ وَأَيُّ شَيْءٍ يَجْتَهِدُ إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ إنَّمَا الِاجْتِهَادُ قِيَاسٌ عَلَى السُّنَّةِ فَإِذَا لَزِمَ الِاجْتِهَادُ لَهُ صَارَ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَلْزَمَ لَهُ أَوْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا شَيْءٌ إلَّا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ قِيَاسًا عَلَيْهِ فَقُلْت‏:‏ فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ بَعْضُ النَّاسِ قُلْت‏:‏ فَمَا احْتَجَّ بِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ - قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ -‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَالسَّلَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ إذَا أَخَذَ خَمْسَةً فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا كَانَتْ حُجَّتُك‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ بَعْدَ تَقَضِّي حَرْبِ حُنَيْنٍ لاَ قَبْلَ الْوَقْعَةِ فَقُلْت‏:‏ قَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلْعُذْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ تَأَوَّلَهُ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فَيَقُولُ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ إنَّمَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْعَةِ فَإِنْ قُلْت‏:‏ هَذَا تَأْوِيلٌ قِيلَ‏:‏ وَاَلَّذِي قُلْت تَأْوِيلٌ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ مَا رَأَيْت مَا وَصَفْت لَك أَنَّا أَخَذْنَا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهُوَ أَصَحُّ رِجَالاً وَأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ مَا سَأَلْنَاك عَنْهُ مِمَّا كُنَّا نَتْرُكُهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نَلْقَاك

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ عَقْلٌ فِيمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْ الْأَكْثَرِ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ بِهِ وَأَوْلَى فَفِي مَا تَرَكْتُمْ مِثْلُ مَا أَخَذْتُمْ بِهِ وَاَلَّذِي أَخَذْتُمْ بِهِ مَا لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَقُلْت‏:‏ مِثْلُ مَاذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مِثْلُ أَحَادِيثَ أَرْسَلَهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُ أَحَادِيثَ مُنْقَطِعَةٍ فَقُلْت‏:‏ فَكَيْفَ أَخَذْت بِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَخَذْت بِهَا إلَّا لِثُبُوتِهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْ رِوَايَتِكُمْ وَرِوَايَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ فَهِمْت مَا ذَكَرْت مِنْ الْحَدِيثِ وَصِرْت إلَى مَا أُمِرْت بِهِ‏,‏ وَرَأَيْت الرُّشْدَ فِيمَا دُعِيتُ إلَيْهِ وَعَلِمْت أَنَّ بِالْعِبَادِ - كَمَا قُلْت - الْحَاجَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْت فِي مَذَاهِبِنَا مَا وَصَفْت مِنْ تَنَاقُضِهَا‏,‏ وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏,‏ وَأَنَا أَسْأَلُك عَمَّا رَوَيْنَا فِي كِتَابِنَا الَّذِي قَدَّمْنَا عَلَى الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَسَلْ مِنْهُ عَمَّا حَضَرَك وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا يَرْضَى وَعَصَمَنَا وَإِيَّاكَ بِالتَّقْوَى وَجَعَلْنَا نُرِيدُهُ بِمَا نَقُولُ وَنَصْمُتُ عَنْهُ إنَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا‏.‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا لِأَنَّ هَذَا يَثْقُلُ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ أَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الصُّبْحِ فِي رِوَايَتِكُمْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَقَلُّ أَمْرِهِ أَنَّهُ قَسَّمَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَأَنَّك تَكْرَهُ هَذَا فَكَيْفَ رَغِبْت عَنْ قِرَاءَةِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ الْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ بِالْوَضْعِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ كَرَبَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ فَقَالَ‏:‏ لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ وَرَوَيْت عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ وَكَرِهْتُهَا كُلَّهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نَسِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ قَيْسًا يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ‏,‏ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى إنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الآيَةِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا‏}‏ الآيَةَ‏.‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَهَلْ تَسْتَحِبُّهُ أَنْتَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ وَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَيْفَ تَكْرَهُونَهُ وَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ حِينَ بَلَغَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَخَذَ بِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْمَعُ الْأَحْيَانَ السُّوَرَ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا نَكْرَهُهُ فَقَالَ‏:‏ أَرَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ بِالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ هَذَا وَخَالَفْتُمُوهُمَا مَعًا‏؟‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَتَسْتَحِبُّ أَنْتَ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَأَفْعَلُهُ‏.‏

بَابٌ مَا جَاءَ فِي الرُّقْيَةِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرُّقْيَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَ الرَّجُلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قُلْت‏:‏ أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ إذَا رَقُوا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ غَيْرُ حُجَّةٍ‏,‏ فَأَمَّا رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِك فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ رُقْيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ‏:‏ وَلِمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ أَعْلَمُكُمْ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَاءَهُمْ وَأَحْسِبُ الرُّقْيَةَ إذَا رَقُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ هَذَا أَوْ أَخَفَّ‏.‏